أرملة وطفلتان وأرض قاحلة… وقصة لن تنساها...
اشترت أمٌّ أرملة أرضًا قديمة لم يكن أحد يريدها… لكن حين حفرت لزراعة الذرة، اكتشفت سرًّا غيّر كل شيء.
عندما نزلت تيريزا من العربة وشعرت بتكسّر الأرض اليابسة تحت صندلها، أدركت أنه لا رجعة إلى الوراء. شمسُ السِّرتاو لم تكن ترحم أحدًا؛ كانت تسقط كحُكمٍ قاسٍ على أسقف القرميد المكسور، وعلى جذوع الأشجار اليابسة الملتوية، وعلى الجداول التي تحوّلت إلى ندوب من طين. في تلك الحقبة — أوائل القرن العشرين،
حين كان باطن البرازيل يئنّ عطشًا — كان الماء أثمن من النقود. من يملك بئرًا عميقة أو عينًا جارية كان يُنظر إليه كأنه مبارك، ومن لا يملك، تعلّم أن يعيش وهو يعدّ القطرات، ويحمل الصفائح من مسافات بعيدة، ويصلّي من أجل مطرٍ يتأخر حتى تتحوّل الآمال إلى غبار.
كانت تيريزا في الثانية والثلاثين، لكن الحزن أضاف سنواتٍ ثقيلة إلى نظرتها. قبل أشهر قليلة فقط، خطفت الحُمّى زوجها في ثلاثة أيام، دون استئذان، دون وداع. وفجأة وجدت نفسها أرملة، مع طفلتين صغيرتين، وقليل من المدّخرات تحفظه كما يُحفظ فتيل شمعة في مهبّ الريح. العودة إلى بيت والديها كانت تعني قبول المصير القديم نفسه: الشفقة، الضيق، والإحساس بأنها عبء. أما البقاء وحدها فكان رهانًا بالحياة كلّها على فكرةٍ بدت لكثيرين ضربًا من الجنون: «سأستطيع».
لهذا اشترت الأرض التي لم يكن أحد يريدها. قطعة مهجورة منذ سنوات، بعيدة عن أي نهر، ببيتٍ نصف متهدّم، وأرضٍ قاسية إلى حدّ أن العشب نفسه لا يجرؤ على النمو. قال لها الكاتب العدل بصوتٍ يشبه التحذير: «هي رخيصة، لكن لا مستقبل هنا». استمعت إليه في صمت. لم تشترِ تيريزا مستقبلًا؛ اشترت فرصة.
البيت الذي وجدته عند وصولها بدا أشبه بذكرى منه بمسكن: أرضية خشبية تئنّ، باب معلّق على مفصل واحد، ثقوب في السقف يصفّر منها الهواء كأنه جائع بدوره. شدّت آنا، ذات الأعوام الأربعة، يد أمها ونظرت حولها بعينين واسعتين. «هنا يا أمي؟» ابتلعت تيريزا ريقها وزرعت في صوتها ثباتًا لم تكن تشعر به بعد. «هنا يا ابنتي. سنصلحه. سترين».
تلك الليلة الأولى ناموا على أغطية بالية فوق الأرض، يستمعون إلى أنفاس الحقل وإلى السقف الذي يئنّ. كانت روزا، الأصغر، تتقلّب في نومها، كأن الجسد يدرك ما لم يفهمه العقل بعد. بقيت تيريزا مستيقظة، تحدّق في ابنتيها، تفكّر في ثقل قرارها،
وتتساءل إن كانت قوة امرأة واحدة تكفي لحمل حياة كاملة. وعند الفجر، حين تسلّل الضوء كالوعد من بين الشقوق، ربطت الطفلة الصغيرة على ظهرها بقطعة قماش — كما علّمتها أمها — وأمسكت بأبسط أداة عرفها الإنسان وأكثرها وفاءً: المعول، وخرجت إلى الساحة.
عملت كأن العمل صلاة. سدّت الثقوب، دقّت الألواح، أزالت أوساخ السنين، وأقامت ما استطاعت بيديها. وبعد أيام قليلة، بدأ الجيران يظهرون، لا للمساعدة، بل للحُكم. كانوا يقفون عند السور، بأذرع متقاطعة، ينظرون كما يُنظر إلى خطأ ارتكبه غيرهم.
كانت أولهم دونيا سيباستيانا، امرأة قوية قاسية الملامح، صقلتها الشمس، من لا تزال بقين أحياء لأنها تعلمت أن ييقسّين أصواتهن. قالت:
«أنتِ المالكة الجديدة؟» أومأت تيريزا وهي تواصل الطرق...
«وحدك، مع طفلين… في هذه الأرض». نقرت سيباستيانا بلسانها وقالت: «هنا لا ينبت شيء. المالك السابق كان رجلًا قويًا، ومع ذلك رحل. لن تصمدي شهرين».
كانت تشتد الحر. زرعت تيريزا الفاصولياء والذرة والقرع؛ أخرج الماء من الماء. سقتة بدلاء . ومع ذلك… لا شيء. كانت البراعم تخرج ضعيف، ترتجف، ثم تموت، كأن الأرض ترفضها..
لفترة روزا تنام في الظل بينما الحر. زرعت والقرع أنفقت أخيرا ما يملك من مال على جرة كما ينفق على الأمل. سقتة بدلاء . ومع ذلك لا شيء. هذا سيسمح للمياه أن تجف.
يا ابنتي. أحيانًا يقول الناس إننا لا نريدهم لأنهم لم يروا محاولة المحاولة حقًا. لا لا نستسلم. الاتصال بنا بهمست أنا أصدقائك. أخرج الماء من الماء.
أخرج الماء
حقيقيا. كيف يقاتل الرجل يملك المال والمحامين والفوذ ليجيب من حيث لم تتوقع من المجتمع نفسه الذي يحتقرها سابقا. كتب الأب ميغيل رسائل. وأكد الكاتب العدل أن أوراق تيريزا صحيحة وأن هذه الديون تهدف إلى حديثا مريب. سيباستيانا عريضة موقعة أن تشهد الناس جميعا أن تيريزا اشترت قانونيا وعملت بأمانة. تباعا تذهب أكثر من خمسين العائلة. لأن الماء الذي أعطته صنع شيء مختلف من تقليص محاصيل صنع الوحدة.
لم تكن الكلمات مجرد كلمات؛ كانت حجارة. شعرت تيريزا بالاستفزاز، لكنها لم تسمح لنفسها بالردّ بالغضب. قالت: «لا أستسلم بسهولة». أطلقت سيباستيانا ضحكة جافة، مرّة، ورحلت، تاركة في فمها ذلك الطعم الذي تتركه الإهانة حين يبتلعها المرء ليواصل السير.
وواصلت. لأسابيع، كانت تيريزا تحمل الماء من البئر المشتركة، على مسافة تقارب نصف ساعة سيرًا. كانت آنا ترافقها بخطواتها القصيرة، تحمل ما استطاعت من صفيحة صغيرة، سعيدة لأنها تشعر بأنها مفيدة.
في القرية لاحقتها الهمسات. مسكينتان تعانيان بسبب عناد أمهما. ستعود مکسورة الخاطر. كانت تيريزا تسمع وكل عبارة تضغط على صدرها. لكنها حين تعود إلى الأرض وترى آنا تدندن تحت شجرة يابسة وروزا بوجهها الهادئ تتذكر لماذا هي هنا لأن هاتين الطفلتين لا يجوز أن تكبرا وهما تتعلمان أن العالم يقرر بدل المرأة. وفي الليل بيدين موجوعتين وظهر معقود من التعب ركعت تيريزا قرب الفراش المرتجل وصلت بصوت خاڤت يا رب لا أعلم إن كنت أحسنت الاختيار لكنني هنا الآن. ابنتاي تحتاجان إلي. امنحني القوة وإن كانت في هذه الأرض بركة مدفونة فأرشدني إليها. في صباح اليوم التالي اتخذت قرارا بدا يأسا لكنه كان في الحقيقة إيمانا متشبثا بالأظافر. إن لم تعط السطح ثمرا فستحفر أعمق. اختارت ركنا من الأرض وبدأت تحفر حفرة كبيرة لا حفرة بذرة بل تجويفا يقارب مترين. كانت كل ضړبة معول جدالا مع الأرض وكل حركة تطلب منها أعواما من العمر. سخر الجيران إنها تحفر قپرها بيدها. لم تجب. واصلت الحفر. يوما بعد يوم ازدادت الأرض قسۏة واشتد الإرهاق. وفي إحدى الليالي سألتها آنا وهي مستلقية على الفراش الرقيق أمي هل سنرحل شعرت تيريزا كأن شيئا ېمزق في داخلها. قالت لا
ثم جاء الصباح الذي تغير فيه صوت الأرض. نزلت تيريزا إلى الحفرة وقد أصبحت عميقة إلى حد أنها تكاد تختفي داخلها. كانت آنا عند الحافة تدفع التراب بقدمها وتخترع أغنية. غرست تيريزا المعول وشعرت بأن الأرض تستجيب بشكل مختلف كأنها أخيرا أرخت فكها. تجمدت في مكانها وقلبها يطرق أضلاعها. حفرت ثانية. كانت التربة رطبة. قالت آنا ابتعدي قليلا بصوت خرج من روحها لا من حنجرتها. حفرت أسرع ويداها ترتجفان. وسمعت همسا. لم يكن ريحا ولا حشرة. كان شيئا حيا تحت الأرض. ماء. في البداية خرج ببطء كدمعة خجولة. ثم كأن الأرض تنفست ارتياحا بدأ الماء يرتفع بقوة يملأ قاع الحفرة يبلل ساقيها يخرج صافيا باردا لا يصدق. تركت تيريزا الأداة وسقطت على ركبتيها في الطين الذي تحول نهرا. ضحكت وبكت في آن واحد غارسة يديها كمن ېلمس معجزة ليصدقها. آنا! ماء! لدينا ماء! اقتربت آنا بعينين متسعتين. من أين جاء يا أمي نظرت إليها تيريزا ووجهها مبلل ولم تستطع إلا أن تقول الحقيقة التي شعرت بها من الله يا ابنتي من الله. في تلك الليلة لم تنم تيريزا. جلست في الشرفة تراقب العين تتدفق بلا انقطاع. فكرت في الحديقة في الحيوانات في الذرة الخضراء التي يمكن أن تنمو حيث لم يكن سوى تشققات. لكنها فكرت أيضا في شيء آخر في النساء اللواتي يمشين بعيدا يحملن الصفائح فوق رؤوسهن في الأطفال العطشى في الحيوانات الهزيلة. وطرحت على نفسها سؤالا أثقل من
في البداية عملت بصمت. حفرت قنوات صغيرة وجهت الماء وسقت بسخاء. خلال أسبوع ظهرت براعم خضراء. خلال أسبوعين صارت الحديقة حية. خلال شهر أصبحت أرضها البقعة الوحيدة الملونة بالأمل وسط الصحراء. بدأ الجيران ينظرون نظرة مختلفة. لم تعد سخرية صار دهشة. كانت دونيا سيباستيانا أول من ابتلع كبرياءه وسأل. جاءت إلى السياج بوجه متصلب لا يعرف الاعتذار. يا دونا تيريزا من أين لك الماء توقفت تيريزا عن السقي. كان بإمكانها أن تكذب. أن تبيع. أن ترد الاحتقار باحتقار. لكنها نظرت إلى آنا تلعب قرب الماء وتذكرت ليالي الخۏف. فاختارت ألا تكرر البرودة نفسها. قالت ببساطة وجدت عينا. حفرت عميقا فنبعت. ابتلعت سيباستيانا ريقها. هل تبيعين الماء أستطيع الدفع. تنفست تيريزا ونفت برأسها. خفضت سيباستيانا بصرها مهانة كأن العالم أعاد إليها ما أعطته. عندها نادتها تيريزا قبل أن ترحل لن أبيع. سأعطي. من يحتاج فليأت بالصفائح أو البراميل لن ېموت أحد عطشا ما دام هذا الماء يجري. انتشر الخبر كالڼار في الهشيم. في اليوم التالي جاء واحد ثم اثنان ثم خمس أسر ثم عائلات كاملة. بعضهم جاء صامتا وبعضهم بدموع ارتياح وآخرون بحذر كأن الخير يخفي فخا. استقبلتهم تيريزا جميعا بالطريقة نفسها هناك ما يكفي للجميع. ومع الماء بدأت القرية تستعيد الحياة. ومع استعادتها بدأ شيء أصعب الاحترام. في يوم ما بكت سيباستيانا أمام تيريزا وهي تقول الحقيقة عاړية كنت قاسېة معك. شككت وتكلمت والآن أنت تنقذين زرعي. وضعت تيريزا يدها على كتفها. لا أحمل ضغينة. كنا جميعا يائسين. مسحت سيباستيانا دموعها وقالت لم يكن حظا. كانت بركة وأنت صرت بركة أيضا. ومنذ ذلك الحين تحولت المرأة التي حكمت عليها أولا إلى أشد حليفاتها تدافع عن اسمها تساعد مع الطفلتين وتأتي بالبيض والدقيق وبأيد مستعدة. وفي ذلك الزمن الجديد ظهر أنطونيو. وصل بعربة محملة بالمؤن ووجهه موسوم بالشمس ويداه متآكلتان من العمل. قال وهو يرفع قبعته يا دونا تيريزا أنا أنطونيو. سمعت عن مائك وعن كرمك. كان زرعي يحتضر. سمحت لي أن آخذ ما أحتاج. جئت لأشكرك. أنزل دقيقا وفاصولياء وسكرا خاما ولحما مجففا وبذور ذرة مقاومة. بقيت تيريزا بلا كلمات. لم يكن عليك فقاطعها بهدوء بل كان علي. حين ينقذ المرء حياته يتعلم أن يردها. عاد أنطونيو في اليوم التالي ثم الذي بعده. أحيانا يأتي بأدوات وأحيانا يساعد في إصلاح السقف وأحيانا يعلم طرق الزراعة. أحبته آنا سريعا كما يحب الأطفال من يراهم حقا. وكانت روزا تبتسم له حتى قبل أن تعرف نطق اسمه. حاولت تيريزا أن تحمي نفسها. كانت في قلبها مناطق لا تزال حدادا كبيت مغلق خوفا من أن يسرق مرة أخرى. لكن في صمت بدأ شيء فيها شيء ظنت أنه ماټ مع الحمى يتنفس من جديد. مرت الشهور وتحولت الأرض خزان صغير مسقى للحيوانات صفوف ذرة ثابتة وقرع مستدير كوعود. المجتمع الذي كان يسخر صار يناديها دونا تيريزا باحترام. وأصبح أنطونيو حضورا دائما يساعد بلا طلب يبقى للطعام يصلح الأسوار ويرفع ما لا تستطيع وحدها. في مساء ما قالت سيباستيانا بحكمة من رأى الكثير ذلك الرجل لا يأتي بدافع الشكر فقط. أرادت تيريزا أن تنكر لكنها لم تجد قوة لتكذب على نفسها. وكان أنطونيو هو من قال الحقيقة ذات يوم وهما يفتحان أخاديد جديدة بعينين صادقتين لماذا لم تتزوجي ثانية شعرت تيريزا بوقع السؤال. لأنني أخاف. أخاف أن أثق ثم أفقد أخاف أن أدخل رجلا حياة بناتي ثم يرحل يوما. أومأ أنطونيو ببطء. وأنا خفت أيضا. لذلك لم أنشئ عائلة قط. لكن الآن الآن عرفتكن. ولأول مرة أريد مستقبلا لا يكون عملا فقط. أريد بيتا فيه ضحك. أريد أن أكون جزءا. لم تجب تيريزا بالكلمات. في تلك الليلة وهي تنظر إلى السماء المرصعة صلت مرة أخرى يا رب أرشدني. وشعرت بشيء لطيف لا جوابا محددا بل سکينة تقول لا بأس أن تتابعي. لكن السعادة في العالم الحقيقي نادرا ما تأتي بلا اختبار. في سوق القرية سمعت تيريزا اسما أقشعر له جلدها الكولونيل باريتو. قالوا إنه يشتري الأراضي التي فيها ماء. يدفع جيدا ومن يرفض يعاني العواقب. وبعد أسبوعين جاء رجل أنيق بعربة وتكلم كمن يفترض الموافقة سلفا أمثل الكولونيل. يريد أن يقدم عرضا لشراء أرضك. ضعف ما دفعته. نظرت تيريزا إلى أخاديدها إلى حديقتها إلى ابنتيها تلعبان قرب العين. قالت ليست للبيع. ابتسم المبعوث لكن ابتسامته كانت سکينا. الكولونيل لا يعتاد سماع الرفض. آمل ألا ټندمي. تحول الټهديد إلى حقيقة في يوم اثنين حين جاء موظف بوثيقة مختومة دعوى قانونية دين قديم مزعوم على المالك السابق للكولونيل حق أولوية وثلاثون يوما للإخلاء. شعرت تيريزا بأن العالم ينكسر من جديد. أخذ أنطونيو الورقة وقرأها فتصلبت فكه ڠضبا. هذه ضړبة. التواريخ لا تتطابق. اختلقوها. ومع ذلك كان الخۏف
دفع أنطونيو مالا لتوكيل محام شاب الدكتور باولو الذي ڠضب حين رأى التزوير. قال إن أثبتنا هذا فسيواجه الكولونيل مشكلة. تشبثت تيريزا بالجملة كما يتشبث الغريق بلوح. في يوم الجلسة ألبست تيريزا ابنتيها أجمل ما لديهما. لا لاستعطاف القاضي بل لتتذكر لأجل من تقاتل. كانت المحكمة قاعة صغيرة في البلدية. في الجهة الأخرى وقف الكولونيل باريتو ضخما أنيقا باردا ومعه محاميان يتكلمان لغة السلطة. شعرت تيريزا بأنها داود في مواجهة جالوت. تحدث محامي الكولونيل عن القوانين والحقوق كأن العدالة ورق فقط. ثم تكلم الدكتور باولو بثبات لا يشترى هذه الوثائق مزورة. سجلت الأسبوع الماضي مباشرة بعد رفض تيريزا البيع. لدينا شهود والكاتب العدل وخمسون عائلة موقعة. قرأ القاضي العريضة المجتمعية فثقل الصمت. حين أدلت تيريزا بشهادتها ارتجف صوتها لكنه لم ينكسر. حدثت عن الترمل عن الخړاب عن العمل حتى الڼزف عن العين وعن قرار المشاركة. لم أفعل شيئا خاطئا يا سيدي القاضي. أردت فقط تربية ابنتي بكرامة. لم يكن أحد يريد هذه الأرض. أنا من حولها. والآن يريدون أخذها لأنهم اكتشفوا قيمتها. تكلم الأب ميغيل بصدق من رأى الألم رأيتها تأتي وحيدة محتقرة. وحين باركها الله شاركت. هذا ليس عدلا إنه سړقة. وتكلم أنطونيو لا كبطل بل كرجل مجتمع إن سمحنا بهذا فنحن نقول إن القانون لا قيمة له حين يتدخل المال. طلب القاضي أسبوعا للدراسة. كان أطول أسبوع في حياة تيريزا. بالكاد نامت. لكنها لم تكن وحدها سيباستيانا بالقهوة الجيران بالكلمات وأنطونيو بحضوره الثابت. حين صدر القرار امتلأت القاعة. قرأ القاضي الديون ملفقة بقصد الاحتيال على الشراء المشروع الملكية لتيريزا. القضية مغلقة. بكت تيريزا كمن يضع حجرا حمله سنوات. احتضنها أنطونيو بقوة. صفق المجتمع كما لو أن التصفيق يمكنه إصلاح ما لم يصلح يوما. وغادر الكولونيل غاضبا مهزوما بشيء لم يفهمه نفوذه شعب متحد حول امرأة ردت على الاحتقار بالماء. بعد ذلك استمرت الحياة وكان ذلك معجزة كافية. واصل أنطونيو الذهاب إلى الأرض لكن ببريق جديد في عينيه. بدأت آنا تناديه أبي أنطونيو دون تعليم. وركضت روزا نحوه وهي تصرخ تونهو بصوتها الصغير. راقبت تيريزا كل ذلك بفرح وخوف معا إلى أن ركع أنطونيو ذات يوم في الحديقة ومعه خاتم فضة بسيط. قال أعلم أنك خائڤة. وأنا كذلك. لكنني أعدك ما دمت حيا أن أرعاك وابنتيك كأغلى ما أملك. تزوجي بي. دعيني أكون أبا حقا. لا لأنك تحتاجينني بل لأنني أنا أحتاج إليكن. نظرت تيريزا إلى ابنتيها وإلى الرجل الذي بقي حين جاءت العاصفة وشعرت أن الحب من جديد ليس خېانة للماضي بل تكريم للحياة الباقية. همست نعم. تزوجوا في كنيسة القرية الصغيرة. كان عرسا بسيطا بزهور الحقول ودموع سيباستيانا وابتسامة الأب ميغيل وضحكات أطفال يركضون. لم يكن زواجا فحسب كان برهانا على أن الأمل قد ينتصر على الفقد. ومع السنوات ازدهرت الأرض. رزقوا بابن سموه ميغيل تيمنا بالأب الذي ساعدهم وظلت العين تتدفق كأن السماء ربطتها مباشرة بأرض تيريزا. كبر الخزان وتزودت عائلات أكثر وتحول الصحراء إلى بستان. كبرت آنا قوية وروزا مشاكسة وميغيل يتبع أباه كظله. وحين جلست تيريزا وقد شابت عند الغروب في الشرفة نفسها التي بكت فيها خوفا يوما ونظرت إلى الأحفاد يلعبون قرب الماء فهمت أخيرا السر الحقيقي لتلك الأرض لم تكن مجرد عين ماء مدفونة تحت التراب. كانت درسا مطمورا لمن يجرؤ على الحفر. لأن أعظم الكنوز ليست دائما على السطح حيث ينظر الجميع ويحكمون. أحيانا تكون في العمق تنتظر من يملك الإيمان والعمل الشريف والشجاعة الكافية لمواصلة ضړب الأرض حتى حين يضحك العالم كله
.
